بين
ديسمبر 2024، ونوفمبر 2023، يبدو أن الكثير قد تغير، وقد تغير معها موقف ووضع
العراق في المنطقة والتطورات المتسارعة، بالرغم من ان الخطوط الرئيسية لاتزال كما هي نسبيًا، فمن الظهور بـ"سترة واقية" وسط
بغداد الى الإشادة بـ"التحول الذي أصبحت عليه
بغداد وابداء الاعجاب بالتطور"، هكذا كانت رحلة
بغداد مع وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن وهو ما
يعكس بشكل واضح حجم الرسائل من هذه الزيارة.
في 5
نوفمبر 2023، أي بعد حوالي اكثر م نشهر على انطلاق طوفان الأقصى، هبط بلينكن في
بغداد بزيارة مفاجئة غير معلنة، وزار السفارة الامريكية، وقبل مغادرته بطائرة عسكرية من بغداد، ظهرت صور يبدو ان تسريبها كان مقصودا، لبلينكن وهو يرتدي سترة واقية من الرصاص، وهي مشاهد اشعلت مواقع التواصل الاجتماعي والاوساط السياسية في العالم، حتى ان اراء سياسية وصفت ما يجري بانه خسارة كبيرة للسياسة
الامريكية فبعد مليارات الدولارات التي انفقتها واشنطن في الحرب بالعراق لاتستطيع ان تؤمن على نفسها، ولا يمكن لوزير الخارجية زيارة
بغداد الا "بشكل سري" وبارتداء سترة واقية.
وحينها، قال بلينكن للصحفيين بشأن زيارته انها جاءت "لارسال رسالة واضحة جدا لأي طرف قد يسعى إلى استغلال النزاع في غزة لتهديد أفرادنا هنا أو في أي منطقة أخرى في المنطقة ونحذرهم من مغبة ذلك"، مضيفا: "لقد أوضحت أن الهجمات والتهديدات القادمة من الميليشيات المتحالفة مع إيران غير مقبولة على الإطلاق وسنتخذ كافة الخطوات اللازمة لحماية شعبنا، نحن لا نسعى إلى صراع مع إيران ولقد أوضحنا ذلك، ولكننا سنقوم بما هو ضروري لحماية أفرادنا، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين".
وبالرغم من ان زيارته الى
بغداد هذه المرة يوم امس الجمعة كانت غير معلنة أيضا حيث كان المعلن ان بلينكن سيزور تركيا والأردن، الا انه من زيارته الى تركيا توجه مباشرة الى الأردن، الا ان التصريحات التي ادلى بها بلينكن، تظهر مدى الفارق الكبير التي شهده
العراق خلال هذا العام على صعيد السياسة والامن والاصطفاف الجيوسياسي، فمن التحذيرات والسترة الواقية قبل عام، الى اشادة بلينكن بالتطور الحاصل في
بغداد اليوم، وهي محاولة لارسال رسالة كما يراها المراقبون، خصوصا بعد توقف الهجمات على القوات
الامريكية في
العراق.
وقال بلينكن اليوم في حديث للصحفيين، والذي يبدو أنه "قضى ليلته في بغداد" منذ يوم امس، عكس زيارته السابقة التي غادر فيها
بغداد ليلا وسط الظلام: "لقد كنت أزور
العراق منذ أكثر من عشرين عامًا، ومن الأشياء التي أخبرت بها رئيس الوزراء مدى روعة وصولي بالطائرة من المطار فقط لرؤية كل أعمال البناء، وحيوية المدينة، والسيارات تتحرك في كل مكان. وأنا أعلم أيضًا أن هناك عملًا مهمًا حقًا تم القيام به لضمان حصول العراقيين على الخدمات التي يحتاجون إليها، وزيادة الفرص التي يريدونها لبناء حياة أفضل، لذا كان من المثير للإعجاب رؤية هذه التغييرات، وأعتقد أنها تؤكد على أهمية استمرار
العراق في الحصول على المساحة اللازمة للقيام بذلك".
الفاصل الزمني والفاصل في المواقف، مرتبط كذلك بالفاصل بعدد الهجمات ووضع القوات
الامريكية في العراق، ففي
نوفمبر 2023 وهو موعد الزيارة السابقة لبلينكن الى بغداد، كانت الفصائل قد شنت اكثر من 20 هجمة على الامريكان في أكتوبر 2023، وفي
نوفمبر ارتفعت الى 35 هجمة، ثم انخفضت في
ديسمبر الى 30 هجمة، ثم قفزت في يناير 2024 الى 45 هجمة، لكن عموما ومنذ فبراير 2024 وحتى الان، انخفضت الهجمات بشكل كبير ضد الامريكان بل وحتى ضد الكيان الإسرائيلي، حيث ان الهجمات ضد الامريكان منعدمة منذ اكثر من 10 اشهر، كما ان الهجمات على الكيان منعدمة تقريبا منذ اقل من شهر.
وعمومًا، كان هدف الزيارة السابقة محاولة حماية القوات
الامريكية واخذ تعهدات بل وتوجيه تحذيرات الى
العراق بشأن ذلك، اما الان، يظهر
العراق في هذه الزيارة وكأنه "عنصر مسالم" تحاول واشنطن الحفاظ عليه من إمكانية ان يعود للتورط، حيث أوصل بلينكن رسالة الى السوداني بضرورة ان يمنع
العراق تورط الفصائل باوضاع سوريا او التدخل للتأثير على المشهد المقبل، او السماح بمرور أسلحة من ايران الى سوريا، خصوصا وانها لاتزال غير مستقرة، وستعمل جميع الأطراف على وضع موطئ قدم فيها للمساهمة برسم الشكل القادم لسوريا او لمنع رسم شكل معين حصرا في سوريا.