وجاء ذلك إثر "عمليات نهب وتعفيش" كان ينفذها مسلحو وادي بردى والزبداني في منطقة "قرى الأسد" التي يسكنها مسؤولون ورجال أعمال مقربون من نظام الأسد.
وبحسب المصادر، فإنه بعد سرقة محتويات فيلا تابعة لرجل الأعمال وعضو مجلس
الشعب السابق محمد حمشو، حصلت اشتباكات بين مسلحي ريف دمشق الغربي، وعناصر تابعين لـ"هيئة تحرير الشام" قام على إثرها مسلحو ريف دمشق بالسيطرة على سيارة تابعة لدورية الهيئة، ما دفع الأخيرة لطلب تعزيزات من مخفر يعفور المجاور.
وفي حادثة ثانية، تقول المصادر إن منطقة المزرعة في
العاصمة دمشق، شهد أهالي دمشق، تبادلًا لإطلاق النار بين مسلحي
الجنوب والشمال قرب أحد مقرات حزب البعث.
وقالت المصادر إن بوادر الصراع تتزايد بين فصائل
الجنوب السوري (ريف دمشق ودرعا بشكل خاص، التي تعدُّ نفسها "مهد الثورة 2011"، وفصائل الشمال، خاصة إدلب التي تعدُّ نفسها "عاصمة الثورة").
وتشير المصادر إلى أن الأمر بدأ يتضح حين حاولت قوات "العودة" وهي من الفصائل الكبيرة والمدربة في
الجنوب السوري، الهجوم بسرعة على دمشق، استباقًا لوصول "هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها.
ويحسب المصادر، فإن هيئة تحرير الشام، تعاني اليوم في ضبط الأمن في العاصمة، نظرًا لمحدودية قدرتها على حشد عدد كبير من العناصر لضبط الأمن، ما يجبرها على تسليح عناصر من أحياء دمشق وريفها، وهو ما يفتح الباب أمام مواجهات لاحقة وسط اختلاف أهداف وأجندات كل طرف.
انقسام سياسي
وذكرت المصادر المطلعة على طبيعة الخلافات وحيثياتها، أن فصيل العودة الجنوبي، بادر إلى اصطحاب رئيس حكومة النظام السابق، محمد غازي الجلالي إلى فندق "فورسيزونز" بدمشق، للتفاهم والتنسيق معه، قبل وصول "هيئة تحرير الشام" والفصائل المتحالفة معها، التي ردت سريعًا بتعيين رئيس حكومة يتبع لها لقطع الطريق أمام الفصائل الجنوبية.
وقال المصدر إن الاشتباكات العسكرية بمعناها الواسع لم تحصل بعد، لكنها مسألة وقت فقط، لافتًا إلى الانقسام السياسي الكبير بين الطرفين، مرجحًا أن تحاول فصائل
الجنوب السيطرة على العاصمة، أو أن تطلب إقليمًا خاصًّا بها.
ورجح المصدر حدوث اشتباكات بين الطرفين في الفترة القريبة القادمة، قد تتلوها تسويات مؤقتة بينهما، ولاحقًا تقسيم مناطق النفوذ.
خلاف على السلطة
يرى الكاتب والمحلل السياسي السوري مازن بلال، أنه منذ انهيار نظام الأسد، تسارع الحدث ما بين فصائل
الشمال والجنوب، بهدف الدخول إلى العاصمة، ما يوحي بتنافس واضح، وقال إن ما يلفت الانتباه أن فصائل
الجنوب هي التي سارعت إلى إحضار رئيس الوزراء السابق (الجلالي) من أجل التفاوض، وفي النهاية ظهرت الحكومة بتمثيل من لون واحد يمثل الجولاني وجماعته.
وذكر بلال أن كل الإجراءات التي اتخذها الجولاني لم تكن دستورية، حيث كان من المفترض أن يتسلم نائب الرئيس السلطات ويسلمها للهيئة المؤقتة، واليوم فإن الصراع على السلطة سيظهر بشكل متسارع رغم أن القوة الأساسية هي لقوى الشمال، لكنها في النهاية تعيش مرحلة اختبار قدرتها على إدارة هذا الصراع، بحسب المحلل.
ماذا بقي من فصائل الجنوب؟
من المعلوم أن فصائل
الشمال السوري هي الأكثر عددًا وتسليحًا، خاصة "هيئة تحرير الشام" بزعامة الجولاني، على حين أن فصائل
الجنوب تم ترحيل الجزء الأكبر منها نحو الشمال، بعد اتفاقات تسوية مع النظام السابق قبل سنوات، واختارت بموجبه التوجه إلى شمال البلاد في ريف حلب وإدلب.
ويتصدر المقاتلون المحليون اليوم في درعا والجنوب، القيادي السابق في المعارضة أحمد العودة، ويتخذ من بصرى الشام مقرًّا له، وكان انخرط في اتفاقيات التسوية بعد 2018 لكن لم يترك محافظته إلا مؤخرًا، وقاد فصيلًا مسلحًا بدعم روسي، باسم "اللواء الثامن".
وقالت شبكة "تجمع أحرار حوران" الإعلامية، إن أبرز المواقع التي سيطرت عليها "غرفة عمليات الجنوب" في طريقها إلى دمشق هي اللواء 52، واللواء 12، وتل الجموع والجانبية والخضر.
وكانت فصائل درعا، أول كتائب المعارضة التي وصلت إلى دمشق، واستطاعت تأمين رئيس وزراء النظام السابق، ليتولى مهامه ريثما يتم ترتيب الأوضاع في سوريا.
ومنذ انطلاق الاحتجاجات ثم العسكرة، ضمت درعا العديد من الفصائل المسلحة المناهضة لنظام الأسد، وأبرزها ألوية "الجيش الحر"، مثل "عمليات المنطقة الجنوبية" بقيادة المقدم ياسر العبود الذي قضى عام 2013، و"لواء العمري" بقيادة النقيب المنشق قيس القطاعنة الذي لقي حتفه عام 2014، إضافة إلى كتائب أخرى تابعة لـ "الجيش الحر"، من بينها كتيبة "سلطان باشا الأطرش" التي ضمت ضباطًا منشقين دروزًا بقيادة الملازم أول خلدون زين الدين، الذي لقي حتفه عام 2013.