وخلال العواصف الشمسية، يؤدي التوهج الشمسي أو موجة صدمية من الانبعاث الكتلي الإكليلي (CME)، إلى تسريع البروتونات إلى سرعات عالية للغاية، في ما يسمى بأحداث الجسيمات الشمسية أو أحداث البروتونات الشمسية (SPEs).
ومن الصعب تحديد توقيت هذه الأحداث بدقة، لكن دراسة جديدة تمكنت من تحديد تاريخ إحدى أقوى أحداث العواصف الشمسية التي ضربت الأرض خلال ما يعرف بعصر ما بعد الجليد.
ولحسن حظنا، تعد الأشجار القديمة بمثابة كبسولات زمنية، تسجل بصمت تاريخ الأرض. وقد عمل فريق مع العلماء من
جامعة أريزونا بقيادة
إيرينا بانيشكا وتيموثي غول على كشف هذه الأسرار النباتية من خلال تحليل حلقات الأشجار بعناية للكشف عن أدلة على العواصف الشمسية الهائلة المعروفة باسم " أحداث مياكي (Miyake events نسبة إلى مكتشفها)".
وهذه الأحداث من الطقس الفضائي نادرة جدا لدرجة أنه تم اكتشاف 6 فقط منها في آخر 14500 سنة، وكان آخرها بين عامي 664 و663 قبل الميلاد.
وقبل نحو 2600 عام، شهد الآشوريون القدماء توهجا أحمر ناريا في سماء الليل، وقد سجلوا هذا الحدث الهام على لوح حجري. نعلم الآن أنهم شاهدوا أضواء شديدة السطوع تسببت فيها عاصفة شمسية قوية. وفي 20 نوفمبر 2024، أعلن العلماء أنهم يعتقدون أنهم قد اكتشفوا أدلة على هذا الحدث في حلقات الأشجار. وعلاوة على ذلك، حددوا أن هذا الحدث وقع في عام 664 قبل الميلاد، أي منذ 2688 عاما.
ويقول العلماء إننا محظوظون لأن آخر حدث مياكي وقع منذ فترة طويلة. و"لو حدثت هذه العواصف اليوم، لكانت لها آثار كارثية على تكنولوجيا الاتصالات"، كما قالت بانيشكا في بيان صحفي.
وتمثل أحداث مياكي نوعا متطرفا من النشاط الشمسي الذي تم التعرف عليه لأول مرة في عام 2012 من قبل الفيزيائي الياباني فوسا مياكي.
ونشر مياكي الذي كان يتعاون مع فريق بانيشكا، بحثا كشف فيه عن توقيع مميز لهذه الأحداث: زيادات حادة في نظائر الكربون المشع، وخاصة الكربون-14، التي توجد في حلقات نمو الأشجار.
والكربون-14 هو نظير مشع طبيعي للكربون يتكون في الغلاف الجوي عندما يتفاعل الإشعاع الكوني مع النيتروجين.
وفي النهاية، يتفاعل هذا الكربون-14 مع الأوكسجين لتكوين ثاني أكسيد الكربون الذي يدخل إلى الأشجار عبر عملية التمثيل الضوئي.
وقالت بانيشكا في البيان الصحفي: "بعد بضعة أشهر، سيكون الكربون-14 قد انتقل من الستراتوسفير إلى الغلاف الجوي الأدنى، حيث تأخذه الأشجار ويصبح جزءا من الخشب أثناء نموها".
وقام فريق بانيشكا في
جامعة أريزونا بتحليل دقيق لحلقات الأشجار من عينات خشبية قديمة تم جمعها من أشجار ميتة مدفونة في ضفاف الأنهار وكذلك من الأخشاب المستخرجة خلال الحفريات الأثرية. ثم يتم حرق المكون الرئيسي للخشب، وهو السليلوز، لتحديد محتوى الكربون المشع.
وعند اكتشاف زيادة حادة في الكربون المشع، يقوم العلماء بمقارنة بيانات حلقات الأشجار مع الزيادات في نظائر أخرى مثل البريليوم-10 الذي تم حجزه في نوى الجليد المستخرج من الأنهار الجليدية وغطاءات الجليد، وهي كبسولات زمنية طبيعية رائعة أيضا.
ومثل الكربون-14، يتكون البريليوم-10 في الغلاف الجوي نتيجة للقصف بالجسيمات الشمسية، وتلتقط الترسيبات مثل المطر أو الثلج النظير وتحبسه في طبقات الجليد.
وقالت بانيشكا في البيان الصحفي: "إذا أظهرت نوى الجليد من كل من القطب الشمالي والقطب الجنوبي زيادة في النظير البريليوم-10 في سنة معينة تتوافق مع زيادة الكربون المشع في حلقات الأشجار، نعرف حينها أنه كان هناك عاصفة شمسية".
وتمكنت بيانات كل من حلقات الأشجار وعيّنات الجليد من تحديد تاريخ العاصفة الشمسية الهائلة التي طالما أفلت توقيتها من العلماء في الفترة بين عامي 664 و663 قبل الميلاد.