مستشفيات متهالكة وواقع طبّي متراجع... الضمان الصحي يمر بوعكة

بعد أسبوعين فقط من التصويت على حكومته، دشن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني جولاته واهتمامات حكومته، بالقطاع الصحي، هذا القطاع الذي يعد أزمة مزمنة شأنه شأن ملف الكهرباء في العراق، لكن هذه الانتفاضة التي قام بها رئيس الحكومة وما فعله من زيادة الاعتماد على الادوية المصنعة محليًا وغيرها من المحاولات، لم تنهض بالواقع الصحي، ولا يزال نقص الادوية وسوء الرعاية عاملًا ثابتًا في هذا القطاع.

تتنوع مشاكل القطاع الصحي وتتعدّد، سواء بنقص الأدوية وعدم توفرها، أو اكتظاظ المستشفيات مع قلّة الكوادر الطبية وتحديدًا عدد الأطباء، فكثافة الأطباء في العراق تبلغ 10 أطباء لكل 10 آلاف نسمة من السكان، وهو أقلّ من المتوسط في العالم البالغ 17.2 طبيب لكلّ 10 آلاف نسمة من السكان.

انفاق العراقي على الصحة 520 دولار سنويًّا.. الدولة تتحمل 49% منها فقط

ارقام ومؤشرات عديدة تعكس سوء القطاع الصحي، وكان سببها الأول طوال سنوات هو حجم انفاق الدولة على هذا القطاع، حيث يبلغ انفاق الفرد على الصحة سنويًا حوالي 520 دولار، لكن لا تتحمل الدولة من هذا الانفاق سوى 250 دولارا سنويا لكل فرد، وذلك عبر ما تخصصه من أموال في الموازنة وما تقدمه من رعاية صحية في المستشفيات سواء بشكل مجاني او باجور رمزية، لكنها في النهاية، خدمات لا تسمن ولا تغني من جوع.

العراق ضمن الثلث الثالث الاخير بين البلدان بجودة المؤشرات الصحية

لو تم تقسيم البلدان في العالم الى ثلاثة أثلاث، سنجد أن العراق يأتي غالبًا في مقدمة الثلث الثالث الأخير في جميع المؤشرات الدولية المتعلقة بقطاع الصحة، وعلى سبيل المثال، وفي مؤشر الانفاق الصحي، جاء العراق بالمرتبة 116 من بين 180 جولة بحجم الانفاق الصحي على الفرد.

العراق ثاني أسوأ دولة في الرعاية الصحية بين 94 بلدًا

وفي مؤشر الرعاية الصحية، جاء العراق بالمرتبة 92 من اصل 94 دولة، ما يجعله ثاني أسوأ دولة في الرعاية الصحية، بحسب مؤشر نيمبو، وفي التغطية الصحية الشاملة جاء العراق في المرتبة 127 من اصل 195 دولة.

العراق بالمرتبة 79 من 110 دول بافضل انظمة الرعاية و115 من 167 للبلدان الاكثر صحة

أمّا في تصنيف افضل أنظمة الرعاية الصحية لمجلة سيو وورلد، جاء العراق بالمرتبة 79 من اصل 110 دول، اما وفقا لمؤشر “البلدان الأكثر صحة” لمعهد ليغاتوم، فالعراق بالمرتبة 115 من أصل 167 دولة.

العراق بالمرتبة 177 من اصل 195 دولة في مؤشر الامن الصحي والتصدي للاوبئة

وفي مؤشر الأمن الصحي والذي يعتمد على الوقاية والكشف المبكر والتصدي للأوبئة، جاء العراق بالمرتبة 177 من أصل 195 دولة، لذا تظهر جميع المؤشرات ان العراق في الثلث الثالث الأخير بين البلدان بمؤشرات الرعاية وجودة الأنظمة الصحية التي تعتمد على عشرات المعايير، مع الاخذ بنظر الاعتبار ان العراق كدولة شبه غنية وعمرها الذي يفوق الـ100 عام، يأتي في هذا المؤشر بعد عشرات الدول حديثة التأسيس وربما لا يأتي خلفه سوى الدول الفقيرة في افريقيا.

صندوق الضمان.. هل يخرج العراق من صندوق تردي الصحة؟

وفي عودة على "الاقتحام الحكومي" للقطاع الصحي ودخول التحدي لتحسين الواقع الصحي في البلاد، تم طرح الضمان الصحي كعصا سحرية ستقوّم الواقع الصحي، لكن.. هل يمكن لصندوق الضمان إخراج العراق من صندوق تردي الصحة؟

عام على اطلاق العمل بالضمان.. استقطاع بين 1 و2.5% من الراتب وتمويل من الضرائب

في يناير 2023 تم الإعلان عن البدء بالتسجيل في الضمان الصحي، وفي منتصف العام تم انطلاق العمل بالضمان وتعاقد صندوق الضمان مع بعض المؤسسات والمستشفيات الحكومية والقطاع الخاص، ويفرض الصندوق استقطاعات على المشمولين تبلغ 1% من راتبهم الشهري، وقد تصل الى 2.5% لرواتب الدرجات العليا، فضلا عن ذلك لقد تم تخصيص 150 مليار دينار من الموازنة للصندوق، بالإضافة الى الاعتماد على إيرادات ضرائب الكحول والتدخين.

تم شمول مليون شخص بالضمان الصحي حتّى الان ويستهدف 15 مليونًا

حتى الان تم شمول حوالي مليون شخص بالضمان الصحي، ومن المؤمل ان يضم حوالي 15 مليون فرد بين موظف ومتقاعد وعامل بالقطاع الخاص وعلى فترة تستمر حتى عام 2028.

العراقي يحتاج ما يعادل 60 الف دينار على الصحة شهريًّا

وفي محاولة للاطلاع على التجربة، وبعملية حسابية، يبلغ حجم الانفاق الصحي للفرد في العراق حوالي 500 دولار سنويًا، مايعني 40 دولار شهريًا، أي ما يعادل 60 الف دينار شهريا بالمتوسط في احسن الأحوال.

نصف مليون شخص يدفع اشتراكات للصندوق.. يحتاجون 30 مليار دينار شهريًّا

وبالعودة الى المليون شخص الذين تم شمولهم خلال عام في الضمان الصحي، فإن نصفهم لا يدفعون اشتراكات كما تقول وزارة الصحة باعتبارهم من فئة المشمولين بالرعاية الاجتماعية، لذلك، فإن 500 الف شخص بين موظف ومتقاعد وعامل بالقطاع الخاص، وبمتوسط انفاق شهري على الصحة لكل فرد يبلغ 60 الف دينار، فإن هؤلاء لا يكلفون الدولة شهريا سوى 30 مليار دينار.

صندوق الضمان يحصل على 5 مليارات دينار شهريًّا على الاقل من نصف مليون مشمول

لكن.. كم دفع هؤلاء الأشخاص لصندوق الضمان أساسًا؟.. باحتساب متوسط راتب هؤلاء المشمولين عند مليون دينار عراقي على الأقل، فإن كل شخص سيدفع 10 الاف دينار لصندوق الضمان شهريًا، ما يعني ان صندوق الضمان حصل على 5 مليار دينار منهم فقط شهريًا.

الدولة تتحمل 20 مليار دينار فقط ويدفع المشمولون 10 مليارات بالاضافة الى الاشتراك

لكن الـ30 مليار دينار التي انفقها هؤلاء على صحتهم، ستتحمل الدولة 70% منها فقط، أي اكثر من 20 مليار دينار، مقابل الحصول على 5 مليار دينار منهم شهريًا او بحدود 60 مليار دينار منذ بدء تطبيق قانون الضمان.

العراقي يتكاسل من الانفاق على صحته.. دفع اشتراك شهري واستطباب كل 6 اشهر

بحسب الأرقام والحسابات ستكون العملية خاسرة نوعا ما، لكن يبدو أن صندوق الضمان يراهن على تكاسل المواطنين وضعف نسبة انفاقهم على نفسهم أساسا للأغراض الصحية، حيث ينفق الفرد العراقي حوالي 5% فقط على صحته من اجمالي ما ينفقه شهريًا على كافة الالتزامات الأخرى، وبالتالي فإن الفرد سيدفع الأموال لصندوق الضمان ولا ينفق منها شيئا على نفسه الا بنسبة قليلة.

هذا التقرير من ضمن برنامج "حصاد السومرية" من تقديم ورود الموزاني وإعداد غرفة أخبار "السومرية"، يُعرض كلّ جمعة السّاعة 8:30 مساءً. لمشاهدة الحلقة كاملة، انقر هنا.